الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية مقال رأي: رسالة إلى أخي الباجي قائد السبسي

نشر في  14 أوت 2014  (10:24)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

بعد الانتخابات التشريعيّة والرئاسية الماضية، أصبحت الرئاسة والحكومة «يلعبو وحدهم» فوق العشب الأخضر وذلك بفضل الأغلبيّة التي يتمتّعان بها في المجلس التأسيسي والتي كانت تخدم مصالح ثلاثة أحزاب لا مصالح تونس.. كانت الحسابات الضيقة والاستحواذ على مفاصل الدولة والتحكّم في الأمن والقضاء من الخيارات المدمّرة للترويكا حتى صرنا في بلاد مهدّدة بالارهاب والعنف والأوساخ وغلاء المعيشة، ونعاني من إدارة أشلّ الكسل وانعدام المسؤولية بعض أعضائها.. وبعد ان صمد الإعلام الحر بأعجوبة وبعد ان قاوم اتحاد الشغل والجبهة الشعبيّة والمسار والمبادرة وأحزاب أخرى ببسالة، وبعد أن تحرّك المجتمع المدني وخاصّة النساء، كان لموقفكم وقراركم ببعث حزب نداء تونس مع ثلة من المناضلين الأثر الإيجابي على المشهد السياسي والتوازنات السياسية، فقد برز حزب جديد بإمكانه التأثير على الترويكا وربما الفوز في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة المقبلة..
ولكن اليوم يبدو لي انّ اهتمامكم بحزبكم ـ وهذا أمر طبيعي ـ قد أخفى عنكم حقيقة هامّة، وهي أنّ الانتخابات المقبلة ليست ـ فقط ـ تنافسا بين الأحزاب بل هي خيار استراتيجي وتبنّي نمط اجتماعي وثقافي واقتصادي يقطع مع الماضي ويحافظ فقط على ايجابيّاته ويبني مجتمع العدل والحداثة والنموّ والحرّيات..

في الأثناء فإنّ نداء تونس مازال يفكّر بطريقة «حزبيّة» وكأنّه غير واع بأن المعركة الانتخابيّة القادمة هي معركة فاصلة بين القوى المدنية الديمقراطيّة وبين أحزاب دينيّة أو انتقاميّة، وهي رجعية وتسير في ركاب غيرها.. وانّي أتفهّم طموحات بعض قادة حزبك الذين يتطلّعون الى الفوز بمقعد في المجلس التأسيسي أو بوزارة وهم غير مدركين انّ مصالح تونس اليوم أهمّ بكثير من مصلحة أيّ حزب وأيّ شخص.

لقد كان عليهم أن يفكّروا في مصلحة تونس قبل طموحاتهم وان يفكّروا في تكوين جبهة انتخابيّة انطلاقا من التوافق على بعض النقاط وان يتخلّوا  عن المصالح الضيّقة.. ثم انّي أتفهّم ـ وبكل صراحة ـ موقف بعض قياداتكم الذين يعتبرون انّ بعض الأحزاب المنتمية للاتحاد من أجل تونس ليست لها ايّة شعبيّة وبالتالي ستكون عبءا كبيرا وفاشلة لو ترشّحت في قوائم موحّدة.. هذا صحيح إذا نظرنا إلى الأمر بواقعيّة، لكن هناك أحزاب أخرى لها شعبيّة في بعض الولايات على غرار الجبهة الشعبيّة أو حزب المسار أو التحالف الديمقراطي، وحتى الحزب الجمهوري، فهذه الأحزاب تحظى بشعبيّة نسبيّة ولها قيادات ممتازة وشباب ديناميكي.. واليوم أدعوك كمواطن بسيط يشعر بالتحدّيات وبالمخاطر الى ان تتصل بهذه الأحزاب وان تعلن عزمك على تكوين تحالف سياسي بعد الانتخابات، بما يمكنكم من أغلبية في مجلس النواب القادم علما انّ هذا القرار صعب وسيواجه بكثير من الاحترازات لأن في هذه الأحزاب وفي حزبكم طموحات أيضا واختلافات في الرؤى والتحاليل..

أعرف جيّدا انّ هذا الاقتراح صعب التجسيد، لكن بلادنا وبلاد أبنائنا ستتعرّض إلى كارثة تاريخيّة لو فازت الترويكا السابقة نظرا إلى عدم كفاءتها وزجّها بالدين في السياسة! تذكر أنّ ستالين تحالف مع المسيحيين عندما حاول الألمان غزو الاتحاد السوفياتي وهو الذي يكره الدين والمسيحيين، ثم تحالف ماوتسي تونغ مع خصومه من أبناء وطنه لمجابهة الغزو الياباني، وانّي على قناعة من انّ كارثة سياسيّة وأمنية واقتصاديّة تنتظر البلاد اذا لم تنسّق الأحزاب الديمقراطيّة مجهوداتها قبل الانتخابات وخاصّة بعدها.. علما انّه من الممكن الاتفاق مع الجبهة الشعبيّة على نقاط اجتماعيّة واقتصاديّة لا تزعج رجال الأعمال لأنّ عهد الثورات الحمراء قدولّى وانتهى...

ثم اسمح لي يا أخي الباجي بأن أصارحك بأنّ «صانعي الآراء» Les faiseurs d'opinion والمثقّفين يشعرون بقلق كبير كلّما رأوا رموز «التجمّع» يرمون بثقلهم في قرارات «نداء تونس» وعند اختيار المرشّحين.. صحيح انّ لهم شبكات علاقات لكن شعبيّتكم وشعبية قادة حزبكم كافية لإعداد انتخابات تفوزون بعدد هام من مقاعدها.. ولئن كنت ضدّ المحاكمات السياسيّة والاقصاء دون قضاء فهناك مبادئ وأخلاقيّات ترتكز عليها القرارات السياسيّة، مع العلم انّ 90 ٪ من التجمّعيّين لم يكونوا مجرمين سياسيين، وكل ما في الأمر أنّهم انخرطوا في منظومة شاملة وأحيانا دون إرادتهم.. فهنالك انزعاج من كبار التجمّعيين الذين أرجو لهم الخير إن لم يرتكبوا جرما سياسيّا.. فلا تنسوا أبدا أصدقاء أوقات الشدّة الذين ساندوك حتى إن كانوا من اليسار اللايت Light:
  ورغم هذه المآخذ سأصوّت لفائدتكم في الانتخابات الرئاسيّة اذا ترشّحتم، وذلك احتراما لمواقفكم، وحتى لا أساهم في تشتّت الأصوات الديمقراطيّة.